هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

شرح مدقق لعمل كل أزرار نافذة الإرسال الجديدة هنا @@ إستفتاء حول شكل الصفحة الرئيسية هنا @@ كيفية تشخيص وتجميل نافذة كتابة المواضيع أو الردود هنا @@ تعلم وضع التوقيع بطريقة إحترافية هنا @@ 


 

 الحروب الصليبية8

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
مسلم
عضو فقدان
عضو فقدان
مسلم


عدد المساهمات : 12
تاريخ التسجيل : 14/10/2009

الحروب الصليبية8 Empty
مُساهمةموضوع: الحروب الصليبية8   الحروب الصليبية8 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 18, 2009 5:43 pm

وكان من الممكن أن
تكون نهاية جيوش الصليبيين بكاملها، لولا
الأحداث المؤسفة التي حدثت في داخل الجيش الإسلامي!!
ليتيقن المسلمون من الحقيقة القائلة: "إن أعداءنا لا يُنصرون علينا بقوتهم، ولكن بضعفنا!".



ماذا حدث في الجيش
الإسلامي؟!



لقد شعر كربوغا أن جيشه وإن كان كبيرًا إلا أن
جيوش الصليبيين أكبر، ولو حدث وخرج الصليبيون للقتال فقد تدور الدائرة على
المسلمين إن طال الحصار، ففكر كربوغا
أن أفضل طريقة لتقوية الجيش
الإسلامي هي إعادة فتح التفاوض مع رضوان بن تتش
أمير حلب لينضم إليهم بجيشه؛ فجيش حلب كبير،
ورضوان
نفسه كفاءة عسكرية معروفة، والأهم
من ذلك أن حلب مدينة قريبة وغنية جدًّا،
وتستطيع إمداد الجيش الإسلامية بالمؤن اللازمة والسلاح وأدوات الحصار. كانت هذه
فكرة كربوغا، وهي فكرة صائبة لا شك، لكنها لا
تصلح مع هذه الزعامات الفارغة. إن الأمر وصل إلى إثارة قلق دقاق
نفسه[1]،
وغضب من كربوغا، وحدث الشقاق والخلاف في الجيش
المسلم، وأعلن دقاق عن رغبته في العودة إلى دمشق
، وخاصةً أنه كان يخاف من توسع العبيديين في جنوب الشام[2]، وهذا - ولا شك - خلق جوًّا من التوتر في الجيش الإسلامي. وأضاف إلى هذا
التوتر خوف جناح الدولة حسين بن ملاعب
أمير حمص من انتقام يوسف بن أبق أمير الرَّحبة ومَنْبِج الذي كان مواليًا لرضوان، فاعتبر جناح
الدولة
وجوده في الجيش الإسلامي عداءً لرضوان وحلفائه، ومن ثَمَّ عاش في توتر كبير أثَّر في معنويات الجيش
بكامله[3].



لقد ذاق المسلمون
ثمرات الوَحْدة المؤقتة التي حدثت بينهم، وانكمش الصليبيون داخل أنطاكية
، وكانوا على أبواب الهلكة، والآن ها هم يتفرقون ليذوقوا ويلات التشتُّت
والتشرذم! يقول تعالى: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا
مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
[4]).


ثم زاد الطينة بلة،
وعظمت الكارثة بظهور فتنة عنصرية في الجيش، حيث نشأ خلاف بين العنصر التركي
والعنصر العربي في الجيش، وكان على رأس الأتراك كربوغا
قائد الجيوش وأمير الموصل، وكان على رأس العرب أمير اسمه وثاب بن محمود
المرداسي
، وثارت فتنة زكَّاها رضوان من بعيدٍ برسائله المحفزة للتركمان
ضد العرب[5]!
يقول رسول الله
r:


"إِنَّ اللَّهَ U قَدْ
أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ،
مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ،
لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عِنْدَ
اللَّهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِى تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ
"[6].





كان هذا هو الوضع في الجيش
الإسلامي!



ونعود إلى داخل أسوار أنطاكية؛ لقد شعر بوهيموند - رغم عناده وإصراره - بقرب
النهاية, فأرسل في يوم 27 من يونيو 1098م - بعد تسعة عشر يومًا من الحصار - سفارة
إلى كربوغا
من رجلين أحدهما بطرس الناسك، يعرض عليه فك الحصار وتأمين الجيوش في سبيل رحيلها[7]. وعلى الرغم من التفكك الذي كان في جيش كربوغا إلا أنه خاف أولاً من خيانة بوهيموند وهي خيانة متوقعة، ثم إنه شعر بضعف الصليبيين
فطمع في القضاء عليهم تمامًا في معركة فاصلة.
ويبدو أنه لم يقدر مدى الضعف الذي يسيطر على جنود الجيوش الإسلامية وقادتها. وهكذا
رفض كربوغا السفارة، ومن ثَمَّ لم يعد أمام بوهيموند إلا قرار الحرب، والحرب السريعة قبل أن يهلك
الجيش الصليبي من الجوع.



نظر بوهيموند في جيشه فوجد حالتهم النفسية في الحضيض، فأراد
أن يرفع من معنوياتهم، ويرسخ عندهم مفهوم النصر الأكيد في المعركة القادمة، فماذا
فعل؟!



لقد أشاع بواسطة كاهن
من أهل مرسليا
اسمه بطرس
برتولوني
أن القديس أندراوس الرسول ظهر لهذا الكاهن في الحلم
ثلاث مرات ليدله على مكان في كنيسة القديس بطرس بأنطاكية
، دفنت فيه الحربة التي
طعن بها المسيح عليه السلام، وأنهم إذا حفروا ووجدوا الحربة فإنهم يحملونها أمام
جيوشهم، وهذا الجيش يتحقق له النصر لا محالة!



ثم كان من بوهيموند أن أمر الكاهن وبعض الرهبان بالحفر
للبحث عن الحربة المزعومة، ثم أخرجوا حربة من الحَفْر،
وقالوا: إن هذه معجزة،
وإن هذا الجيش منصورٌ[8]!



وبالطبع فإن هذه قصة
لفَّقها بوهيموند
وأتباعه لتحميس جيشه، ولا يُقِرُّ
عامة المؤرخين بصدق هذه الحادثة، ولا غرابة فهؤلاء القساوسة الذين لفَّقوا الحكاية
يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله.
وعندنا في عقيدتنا يقينٌ أن المسيح عليه السلام لم يُقتل أصلاً، يقول تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ
وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ
)[9].


فهذه الحربة - ولا شك
- فِرْية أرادوا بها رفع معنويات المقاتلين الصليبيين، وقد تحقق لهم مرادهم، وعادت
لكثيرٍ من الجند الحماسة، وقرروا الخروج من اليوم التالي مباشرة لحرب المسلمين.



وفي صبيحة اليوم التالي
28 من يونيو 1098م بدأ الصليبيون في الخروج من المدينة للقتال، وأشار المسلمون على
كربوغا
أن يبدأ في قتالهم قبل أن يكتمل
خروجهم، إذ كانوا يخرجون في جماعات صغيرة، غير أنه رفض وأصرَّ على اكتمال خروجهم
ثم يبدأ بقتالهم؛ يقول بعض المؤرخين: إن هذا ضيَّع عليه فرصة قتالهم منفردين. ولكن يبدو أنه كان يريد خروجهم بالكامل حتى لا يبقى
أحد منهم بداخل المدينة متحصنًا، فخشي إن قاتل الجماعات الصغيرة التي تخرج أن
يمتنع بقية الجيش من الخروج[10]،
ومن الواضح أن كربوغا كانت تملؤُه الثقة بالنفس
والاعتزاز بالأعداد التي معه، وأغراه حالة البؤس التي كانت عليها الجيوش الصليبية
بعد الحصار الطويل، وأيضًا طلبهم منه أن يرفع الحصار. كل ذلك أدى إلى تركه لهم حتى
اكتمل عددهم، ورتبوا صفوفهم تحت قيادة كل
زعمائهم، وكان ريمون الرابع
يتقدمهم وهو رافع للحربة المزعومة.


ودارت معركة شرسة
جدًّا أمام أسوار أنطاكية
، وكانت الغلبة في البداية للمسلمين، لكنَّ الصليبيين كانوا يقاتلون قتال
حياة أو موت، وعلى العكس كان المسلمون يقاتلون للحفاظ على ملكهم وثرواتهم، ومَن
قاتل على هذه النوايا فهو لا يريد أن يموت، وهي نوايا لا تصلح أبدًا لجيش مسلم
يريد الانتصار. وما أعظم ما قاله رسول الله
r وهو يحفز جيشه ليلة بدر على
القتال في صبيحة اليوم التالي! فكان يقول لهم:
"وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يُقَاتِلُهُمْ
الْيَوْمَ
رَجُلٌ فَيُقْتَلُ
صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ إلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ
"[11].


إنه في هذا الموقف لا يشجعهم على الحفاظ على
حياتهم، لكن يشجعهم على بذلها في سبيل الله، ولا يجعل همهم غنائم العدو أو بلاده،
ولو كانت هذه البلد هي مكة المكرمة
، ولكن يجعل همهم دخول الجنة. وشتَّان
بين كل ما رأيناه من رسول الله
r في ليلة بدر، وما حدث في يوم 28 من يونيو 1098م؛ إذ ما لبث الزعماء المسلمون أن تزعزعوا، وبدأ كل
منهم يحاول النَّأْي بنفسه وجيشه، وكان من أوائل الذين فروا التركمان بما فيهم دقاق
ملك دمشق، وثبت جناح الدولة فترة ثم أسرع بالفرار هو الآخر، ثم
فرَّ في النهاية كربوغا
نفسه[12]،
وأسرع المسلمون في كل اتجاه، وكانت الأوامر من قادة الصليبيين ألا يلتفت الجيش إلى
الأسلاب والغنائم وإنما يتتبعون المسلمين، وهكذا تمت مطاردة شرسة لمسافة ثلاثة
كيلو مترات شرق أنطاكية
حتى حصن
حارم
[13] (صورة 1)، قُتل فيها عدد كبير من المسلمين، ثم عاد الصليبيون ليجمعوا ما لا يحصى من
الغنائم والمؤن والسلاح، ووصل كربوغا في فراره إلى الموصل
، وكذلك دقاق إلى دمشق.


لقد كانت مأساة حقيقية
لهذا التجمُّع الإسلامي!



وما أشد الشَّبه بين
هذه التجمعات الفاشلة التي رأيناها، وبين تجمع الجيوش العربية لحرب اليهود في سنة
(1367هـ) 1948م في فلسطين
، فالجيوش لم تخرج لله، ولم تخرج لتكون كلمة الله هي العليا، ولا تعرف
قرآنًا ولا سنة، إنما خرجت لذرِّ الرماد في العيون، أو للحفاظ على مُلك بائدٍ، أو
لأخذ نصيب من الأرض، ومَن كانت هذه نواياه فلا يتحقق له نصر أبدًا.



ولنا في التاريخ عبرة!


صارت أنطاكية بذلك مدينة صليبية، ويَئِس
المسلمون آنذاك من تحريرها، لكن الصليبيين وجدوا أنفسهم أمام عدة مشاكل ضخمة في أنطاكية، منعتهم
من التقدم مباشرة صوب بيت المقدس
، الذي كان الهدف الأول من هذه الحملة.


1- فمن المشاكل الضخمة
التي واجهت الصليبيين هو تناقص عددهم بصورة مخيفة؛
فلقد واجهوا السلاجقة منذ لحظة نزولهم في آسيا الصغرى
، ومنذ موقعة نيقية في (490هـ) مايو 1097م - أي أكثر
من سنة - في عدة معارك، وقُتل من الصليبيين عدد كبير، ثم إن الكثير منهم هلكوا في
المسافات الكبيرة التي قطعوها دون غذاء كافٍ أو ماء، وهلك منهم عدد آخر في الحصار
الطويل لمدينة أنطاكية
، سواء في المرحلة
الأولى التي حاصروا فيها المسلمين، أو في المرحلة الثانية التي حاصرهم المسلمون
داخل المدينة، ثم هلك منهم عدد آخر في الموقعة الأخيرة ضد كربوغا
، وأخيرًا هلك عدد ضخم في الأوبئة التي انتشرت في أنطاكية
نتيجة كثرة القتلى.



لقد تناقصت بشدة أعداد
الصليبيين إلى الدرجة التي صعب معها السيطرة على كل الأبراج في الأسوار الطويلة لأنطاكية
[14]، فكيف بإعداد العدة للزحف نحو بيت المقدس، هذا فضلاً عن أن الذي بقي من الصليبيين يعاني من الإعياء والإجهاد
الشديد، ولا يَقْوَى على قطع المسافة الكبيرة من أنطاكية
إلى بيت المقدس (600 كيلو متر تقريبًا)، فضلاً
عن أنهم قد يقاتلون هناك الدولة العبيدية بكل مقدرات الجيش المصري آنذاك.



هذه الأزمة الكبيرة
جعلتهم يفترون عن الزحف إلى بيت المقدس
، ولم يكن هذا الفتور لأيام معدودات،
إنما استمر ستة أشهر كاملة[15].



2- وهذه الأزمة أيضًا
دفعتهم إلى عدم القدرة على إعلان العصيان المباشر للدولة البيزنطية، فهم مع كونهم
من البداية يكرهون الإمبراطور البيزنطي المتسلط عليهم بقرارته والمخالف لهم في
العقيدة، ومع كونهم يشعرون أنه لم يشارك معهم
بجدية في حصار أنطاكية
، ومع كونهم يحنقون عليه أشد الحنق لعدم نجدتهم في حربهم ضد كربوغا في (491هـ) يونيو سنة 1098م، إلا أنهم يدركون أنهم قد يحتاجون إلى إمكانيات
الدولة البيزنطية في أي لحظة[16]،
وهذا الشعور جعلهم يتحفظون في التعامل مع مشكلة أخرى كبيرة قابلتهم بعد إسقاط أنطاكية، وهي اكتشافهم أن بداخلها أعدادًا كبيرة من
النصارى الأرثوذكس، وكان الصليبيون لا يثقون بهم، ويعرفون أنهم يدينون بالولاء
للدولة البيزنطية قلبًا وقالبًا، ومع ذلك فإن الصليبيين ما استطاعوا أن يعلنوا هذه
المخاوف[17]،
بل إنهم عظموا جدًّا من شأن بطريرك الأرثوذكس حنا الرابع
، ووضعوه على رأس كنيسة
أنطاكية،
ولم يعزلوا القساوسة الأرثوذكس من أماكنهم، واكتفوا بوضع قساوسة كاثوليك على بعض
الكنائس الشاغرة[18]،
وكل هذا كنوع من التقارب مع الدولة البيزنطية، وشراء ودِّها إلى اللحظات الأخيرة.



3- وكان من المشاكل
الضخمة التي واجهتهم أيضًا خلوُّ مخازن المدينة من الغلال والمؤن على عكس ما توقع
الصليبيون[19]،
فطول مدة الحصار وانشغال الناس في الحرب ضيَّع ثروات البلد، ولم يبق شيء يعتمد عليه في مخازنها.
وعلى هذا ففي الأيام القادمة لا بد أن يدبر الجيش الصليبي حاله، إما عن طريق
الإمدادات الخارجية من أوربا
أو الدولة البيزنطية، وإما عن طريق
الإغارة على المدن والقرى المجاورة، وإلا سيقع الجيش في أزمة اقتصادية طاحنة.



غير أن أعظم المشاكل
التي واجهت الصليبيين، هي مشكلة من الذي يجب أن
يحكم أنطاكية
[20]؟!


فبوهيموند كما وضحنا كان يجعل هذه قضية
مصيرية في حربه من البداية، وما خرج هذا الهدف من ذهنه منذ غادر إيطاليا
، وحتى اللحظة التي دخل فيها أنطاكية، واشترط بوضوح على زعماء الحملة الصليبية أن يجعلوا أنطاكية خالصة له إذا بقي معهم للقتال[21].


هذه كانت أحلام بوهيموند!!


فهل كانت هي الأحلام
الوحيدة في القصة؟!



لقد نازعه في حلمه هذا
زعيم صليبي آخر في غاية الطموح هو ريمون الرابع
كونت تولوز، فهذا الزعيم - وإن كان في بادئ القصة يتظاهر بالتدين والورع واتِّباع رأي
البابا، وإعلان أنه لا يستطيع أن يقسم بالتبعية لإمبراطور بيزنطة لأنه يتبع
المسيح! وحمله للحربة المزعومة أمام الجيش الصليبي - أظهر عند سقوط أنطاكية
مشاعر مختلفة تمامًا! لقد ثار ريمون الرابع على بوهيموند، وقال: إنه لا يستحق فضلاً زائدًا عن
بقية الزعماء، وتنكَّر لمواقفه السابقة بإعطاء أنطاكية
لبوهيموند
حال سقوطها. ولم يكن اعتراض ريمون باللسان
فقط، ولكن كان بالسلاح أيضًا! إذ أخذ جيشه وسيطر على بعض الأبراج والأبواب، ورفض
التسليم لبوهيموند، واشتعل الجدال في أنطاكية بين مؤيد ومعارض[22].



ولم يكن ريمون هو الوحيد الذي ينازع بوهيموند إمارة أنطاكية، فهناك الإمبراطور البيزنطي الذي يجد أنطاكية
حقًّا دينيًّا وتاريخيًّا وجغرافيًّا للدولة البيزنطية، وفوق ذلك فهناك اتفاقية القسطنطينية
التي عقدت سنة 1097م، وتقضي بتسليم
المدن البيزنطية القديمة وعلى رأسها أنطاكية
للدولة البيزنطية[23].



فلمن يكون حكم أنطاكية؟!


إن هذا الصراع ليدلنا
بأقوى الأدلة أن هؤلاء الزعماء ما خرجوا خدمة للدين ولا حماية للصليب، ولا طمعًا
في إرضاء المسيح عليه السلام. إننا رأينا من الجميع - تقريبًا - رغبة حميمة في
تحقيق المجد الشخصي، بصرف النظر عن الواجب
الديني الذي خرجوا من أجله.



فهاهو الإمبراطور
البيزنطي الذي طلب النجدة من البابا وصوَّر حال الحجيج النصارى بشكل بائس، ها هو
لا يحمل همًّا سوى توسيع سيطرته على المدن التي أخذها السلاجقة قبل ذلك، وعند أول
اختبار حقيقي لشجاعته وتجرُّدِه أثناء حصار أنطاكية
إذا به يتقاعس، ويرفض القدوم تاركًا الحملة الصليبية تواجه مصيرها،
مع أنها من المفترض أنها جاءت لمساعدته!



وها هو بلدوين ينعزل عن الجيش ويقنع بإمارة الرها، ولا يفكر في إكمال الرحلة إلى بيت المقدس!


وها هو بوهيموند يقنع كذلك بإمارة أنطاكية، ويتحايل على الجميع
لكي يضمن لنفسه ملكًا، بصرف النظر عن قضية القدس
، وبصرف النظر عن حقوق غيره وأطماعهم!


وها هو بطرس الناسك يهرب من حصار أنطاكية الصعب،
ويجبره تانكرد
على الرجوع ذليلاً مهينًا!


وها هو تانكرد من قبل يتصارع مع بلدوين على طرسوس حتى رفعوا السلاح على بعضهم البعض!


وها هو كذلك ستيفن دي بلوا يترك الجمل بما حمل، ويأخذ جيشه ويقفل عائدًا إلى فرنسا في اللحظات الأخيرة من الحصار، عندما أدرك أن أحلامه في الملك تبددت!


إن جميع المحتلين
يرفعون شعارات برَّاقة خادعة للسيطرة على عقول شعوبهم وجيوشهم، وأيضًا لتخدير
الشعوب المحتلة وتسكيتها؛ فهذا يقاتل من أجل
المسيح، وذاك يدافع عن الحجيج، وهؤلاء يريدون استقرار الديموقراطية، وأولئك
يدافعون عن حقوق الإنسان.



وهكذا تبدو حروبهم من
أجل الفضيلة، والأصل أنها لا لشيء إلا للأمجاد
الشخصية والأطماع الذاتية!



ماذا يفعل الزعماء
الصليبيون إزاء هذه المشكلة العظمى؟!



لقد عقد الزعماء
الصليبيون اجتماعًا مهمًّا في أوائل يوليو 1098م يقررون فيه مصيرهم ومصير أنطاكية
ومصير بيت
المقدس
. إن طاقتهم الآن هزيلة عن بلوغ بيت المقدس،
وخاصةً أنهم سيحاربون هناك جيشًا مستريحًا مستقرًّا، وهم لا غنى لهم عن الدولة
البيزنطية في هذه المعركة القادمة، ومن ثَمَّ فهم سوف يطلبون طلبًا صريحًا من
الإمبراطور البيزنطي أن يساندهم في هذا المشروع، لكن الإمبراطور البيزنطي لن يقبل
بالمساعدة إلا إذا أخذ أنطاكية، ومن هنا اتفق
الزعماء بما فيهم بوهيموند
وريمون على تسليم أنطاكية إلى الإمبراطور البيزنطي،
بشرط أن يأتي بنفسه على رأس جيش كبير يشاركهم في احتلال بيت
المقدس
. ولم يستطع بوهيموند أن يعترض في هذا التوقيت؛ لأنه كان يعلم أن قوتهم قاصرة عن إتمام هذه المهمة
وهم في هذه الحالة الواهنة، وعلى ذلك فإذا جاء الإمبراطور البيزنطي فسوف يساعدهم
في تحقيق أحلام أوسع، وإذا لم يأتِ لم يسلموا له أنطاكية، وعندها يفتحون ملف أنطاكية
من جديد ليروا من أحق الزعماء بها.[24]



استقر على ذلك الأمراء
الصليبيون، وأرسلوا رسالة إلى الإمبراطور
البيزنطي يطلبون منه فيها أن يأتي لتسلُّم أنطاكية
بشرط المساعدة في احتلال بيت المقدس.


ماذا كان ردُّ فعل الإمبراطور
البيزنطي لهذه الرسالة؟!



لقد كان الإمبراطور ألكسيوس كومنين نفعيًّا إلى أقصى درجة، فهو يريد
أن يجني ثمار دون تضحية، ثم إنه كان خبيثًا يريد أن يمسك بكل أطراف اللعبة في يده،
وليس عنده مانع أن يتحالف مع عدو أو أن يخون صديقًا!



لقد أراد الإمبراطور
أن يستغل الجيش الصليبي في كسر المقاومة الإسلامية دون أن يعطيهم شيئًا، وقد
خَبُرهم في آسيا الصغرى
، ورأى أنهم سلموه كل
المدن، وهم وإن كانوا يطمعون في أنطاكية
الآن فإنهم لن يستطيعوا الصمود
طويلاً بعيدًا عن بلادهم. إنه أراد أن يستنفزهم لأقصى درجة، فيقتلون المسلمين ويقتلهم المسلمون، حتى إذا خلت المنطقة من
الأقوياء تقدم الإمبراطور ليتسلم كل الميراث بجهد يسيرٍ أو دون جهد!



إنها خطة خبيثة تقوم
بها الكثير من الدول الاستعمارية ذات الخبرة الطويلة في المؤمرات والمكائد! إنها تدفع فريقًا ليحارب فريقًا آخر، وقد تدل كل
فريق على عورات الآخر، حتى إذا فنيت القوتان
دخلت هي لتجمع كل الثمرات.



ومن هنا فكر
الإمبراطور أن يتريث في الأمور، ولا يرفض رفضًا باتًّا؛
لكي لا يوغر صدور الصليبيين، ولا يقدم قدومًا سريعًا فيوغر صدور العبيديين
المسيطرين على بيت المقدس
الآن؛
ولذلك فقد قرر الإمبراطور أن يتجاهل الرد على الرسالة حتى يمر بعض الوقت، وتزداد
الأزمة اشتعالاً[25]!



من جانب الصليبيين فقد
وجدوا أن الإمبراطور لا يرد طلبهم، وهم لا يستطيعون البقاء فترة طويلة دون الانتهاء
من مهتمهم؛ ولذلك قرروا تحديد موعد لغزو بيت المقدس
بصرف النظر عن موافقة الإمبراطور،
وكان هذا الموعد في (491هـ) نوفمبر 1098م، بعد
أن تخف درجة الحرارة[26].



أما الإمبراطور
البيزنطي ألكسيوس كومنين
فلم يكتف باللعب بزعماء الصليبيين،
ولكن أراد أن يتعامل مع الجهة الأخرى أيضًا، فتراسل مع العبيديين بمصر
وهو يعرض عليهم صورة من صور التعاون! ولكن لسوء حظِّه وقعت
رسالته إلى العبيديين في قبضة الصليبيين، فأدركوا أنه يلعب بهم[27].



هنا قرَّر زعماء
الحملة الصليبية أن يخرجوا بمفردهم إلى بيت المقدس
ولكن بعد الاستعداد الكافي عن طريق
جمع المؤن، وتثبيت الأقدام في أنطاكية
وما حولها؛
ولذلك أمضى زعماء الصليبيين شهري أغسطس وأكتوبر في بعض الحملات في المناطق المحيطة
بأنطاكية[28]،
وفي هذه الأثناء كان بوهيموند
يحاول أن يظهر دائمًا في صورة أمير
أنطاكية الأوحد[29].



وفي يوم 5 من نوفمبر
1098م عقد الصليبيون اجتماعًا قرروا فيه الزحف صوب بيت
المقدس
[30]. ومن جديدٍ برزت مشكلة
إمارة أنطاكية
، وتنازع الزعيمان بوهيموند وريمون الأمرَ، وأعلن بوهيموند العصيان المباشر على إمبراطور الدولة
البيزنطية، وأكد ذلك بعزل حنا الرابع
من الكنيسة الأرثوذكسية؛ ليصبح بذلك أميرًا لأنطاكية
وغير متقيد مطلقًا بالقسطنطينية
[31]، غير أن الأمير ريمون وجد أنه لكي يستولي على أنطاكية فإنه يجب أن يوالي الإمبراطور ألكسيوس كومنين ليتغلب على بوهيموند، وهكذا أدت المصالح إلى اختلاف الولاءات
اختلافًا بيِّنًا!! فهذا بوهيموند الذي كان أقرب
الأصدقاء إلى الإمبراطور البيزنطي يعلن العصيان ليتملك أنطاكية، ناسيًا يمينه الذي أقسمه بالتبعية للإمبراطور، وهذا ريمون
الذي رفض أن يقسم بالتبعية
للإمبراطور يعلن أنه يقف إلى جواره[32]!!



وتعالت الأصوات، وكاد السلاح يعلو أيضًا بين الزعيمين الصليبيين!


واستاء بقية الزعماء
جدًّا وأيضًا الجند، وحدثت ثورة عجيبة في أنطاكية
، حيث قرر الزعماء والجند معهم أن يهدموا أسوار أنطاكية
إذا لم يكفّ الزعيمان عن حربهما، وساعتها سيتركونهم مكشوفين للبيزنطيين والمسلمين
على حدٍّ سواء، وسوف يتجه الجيش بكامله إلى بيت
المقدس
[33].


هنا شعر بوهيموند وريمون بالخوف الشديد أن ينفذ الصليبيون
تهديدهم، فجلسوا في هدوء ليبحثوا حلاًّ للموضوع، ولكي يقطعوا الوقت ويشغلوا الناس
حتى الوصول إلى حلٍّ قرروا الخروج جميعًا في حملة إلى معرة
النعمان
، وهي إلى الجنوب الشرقي من أنطاكية، وهي من أعمال الحلب[34]،
وحاصرها الصليبيون بالفعل، واستعانت أهلها برضوان
ملك حلب إلا أنه لم يعرهم اهتمامًا يذكر[35]،
وكان أن استسلمت المدينة في (492هـ) 11 من ديسمبر 1098م للصليبيين بعد أن أعطوهم
الأمان[36]،
لكن - للأسف - بعد سقوط المدينة لم يلتزم الصليبيون بعهدهم، وأجروا فيها مذبحة
عظيمة، وسلبوا كل شيء، وأحرقوا المدينة عن آخرها[37].



ثم تنافس الأمراء من
جديد في قضية النزاع بين بوهيموند
وريمون، ووجد ريمون أن عامة الأمراء يرجحون كفة بوهيموند[38]،
فآثر أن يخرج بشيء، فعرض أن يقود الحملة الصليبية إلى بيت
المقدس
، ويصبح هو بذلك القائد الأعلى، فوافق الأمراء لتحل المشكلة، ويبقى بذلك بوهيموند أميرًا على أنطاكية. وهكذا فضَّل بوهيموند أن يتخلف عن حملة بيت المقدس،
ناسيًا قصة الحجيج ليقنع بإمارته التي كانت حلمًا قديمًا له[39]!!



ولبس ريمون ملابس الحجاج، وخرج حافي القدمين
يقود الجيوش في رحلة دينية لاحتلال بيت المقدس
[40]، وكان ذلك في (492هـ) 13 من يناير 1099م، بعد أكثر من سبعة أشهر من سقوط أنطاكية، وقد حاول أن يقنع الجميع أنه يتحرك إرضاءً للمسيح، ولكن من الواضح أن
تمثيليته أصبحت مكشوفة، وهكذا كل التمثيليات لأمثال هؤلاء النفعيين من الزعماء!!








[1] ابن العديم: زبدة الحلب 2/136.






[2] Runciman, op. cit.,
1, p. 249.






[3] ابن العديم: زبدة الحلب 2/136.






[4] (آل عمران: 150).






[5] ابن العديم: زبدة الحلب 2/136.






[6] أبو داود: كتاب الأدب، باب في التفاخر بالأحساب
(5116)،
وأحمد (8721)، والبيهقي في سنه
الكبرى (20851)، وقال الألباني: حديث حسن (1787) انظر: صحيح الجامع.







[7] Chalandon: Premiere
Croisade, p. 220.






[8] ابن الأثير: الكامل في التاريخ
9/16،15، وزابوراف: الصليبيون في الشرق ص107:93،



Raymond d`Aguiler, in Peters (ed.), The First Crusades, pp. 166-168,
174-175, 178-185, 189-194.






[9] (النساء: 157).






[10] ابن العديم: زبدة الحلب 2/137.






[11] ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 627، ابن سيد الناس:
عيون الأثر 1/ 338، ابن كثير: السيرة النبوية 2/ 420، السهيلي: الروض الأنف 3/ 71.







[12] ابن الأثير: الكامل في التاريخ
9/16.







[13] Gesta Francorum, p. 159.






[14] سعيد عاشور: الحركة الصليبية
1/173.







[15]Gesta
Francorum, p. 74-82; William of Tyre
I, pp. 298-315.






[16] Brehir, op. cit., 314.






[17] Runciman: op. cit.,
1, p. 236.






[18] Albert d`Aix, p. 433.






[19] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/174.






[20] Cam.
Med. Hist. vol 2, pp. 294-295.






[21] Chalandon: Alexis Comnene, p.
201 & Premiere Croisade p. 193.






[22] Guillaume de Tyr, p.
274.






[23] Chalandon: Alexis Comnene, p.
201 & Premiere Croisade p. 203-205.






[24] Gesta francorum, p.
161, Guillaume de Tyr, p. 277.






[25] Grousset: Alexis
Comnene, pp. 204-205.






[26]
Runciman: op. cit. 1, p. 250.






[27] Chalandon: Alexis
Comnene, p. 207.






[28] Cam. Med Hist vol. 5, p. 295. and Michaud: op. cit., 1, p. 333& Gesta
Fran- corum pp. 162-165.






[29] Heyd: op. cit., Tome 1, p. 134.






[30] Michaud, op. cit.,
pp. 346-347.






[31] Grousset: Hist. des
Coisades 1, p. 250.






[32] Brehir:op. cit. p.
314.






[33] Gesta Francoum, p.
171.






[34] Stevensos: op. cit;
p. 30.






[35] ابن العديم: زبدة الحلب 2/142،141.






[36] Albert d`Aix p. 268 & Gesta Francocrum p.
175.






[37] Chalandon: Premire
Croisde, p. 249.






[38] Gesta Francocrum p. 279.






[39] Michaud, op cit. 1, pp. 345-347.






[40] Mayer, The Crusades, pp. 58-59.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
THUNDER
نائب المدير العــــــــــــــــــام
نائب المدير العــــــــــــــــــام
THUNDER


عدد المساهمات : 446
تاريخ التسجيل : 13/09/2009
العمر : 30
الموقع : PALESTINE

الحروب الصليبية8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحروب الصليبية8   الحروب الصليبية8 Icon_minitime1الإثنين أكتوبر 19, 2009 12:52 pm



تسلم يا مان

تايقر والله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحروب الصليبية8
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الحروب الصليبية
» الحروب الصليبية 2
» الحروب الصليبية3
» الحروب الصليبية4
» الحروب الصليبية5

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: إسلاميات :: °¨¨™¤¦ التاريخ الإسلامي ¦¤™¨¨°-
انتقل الى: