مدينة القدس عبر التاريخ: الفتح الإسلامي
الفهرس
وقعــة أجناديــن
توالي الفتوحات بعد أجناديــن
فتح بيت المقدس
فتح قيساريــة
نص العهد الذي أعطاه الإسلام للقدس
وجه رسول الله سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة من الهجرة حملة إلى الشام تمثلت في غزوة تبوك ولكنها عادت دون وقوع أي اصطدام مع الروم، وكان صلى الله عليه وسلم قد أسبق ذلك بحملة إلى خارج الجزيرة في العام الثامن للهجرة تمثلت في غزوة مؤتة بقيادة زيد بن حارثة (ت 8هـ/629م) ومعه ثلاثة آلاف مقاتل، حيث التقت الحملة بجيش الروم، واستشهد زيد بن حارثة ومن خلفه على القيادة من أبطال المسلمين، إلى أن جاء خالد بن الوليد (ت 21هـ/642م) فانتهج خطةً حكيمةً في الانسحاب، ولم يكتب لهم النصر.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتجهيز جيش وأمَّر عليه أسامة بن زيد (ت 54هـ/673م) وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء من أرض فلسطين، وكان ذلك في مرض موته عليه السلام، فلحق بالرفيق الأعلى وجيش أسامة يستعد للزحف.
كانت أولى مهام أبي بكر الصديق رضي الله عنه (ت13هـ/634م) بعد توليه الخلافة (11-13هـ / 632-364م) بعث جيش أسامة، وخرج أبو بكر يودع الجيش، ويوصيهم وصاية تعد دستوراً للأخلاق في التعامل الحربي.
كما تذكر الروايات التاريخية أنه عندما اعتزم أبو بكر فتح بلاد الشام ومقاتلة الروم، استنفر المسلمين فلبوا دعوته، وخفوا سراعاً من جميع أنحاء الجزيرة، فجهز منهم أربعة جيوش، وعقد أربعة ألوية لكبار القواد، ثم سيرهم إلى الشمال بعد أن عين لكل واحد منهم وجهته، فجعل ليزيد بن أبي سفيان (ت18هـ/639م) دمشق، ولشرحبيل بن حسنة (ت18هـ/639م) الأردن، ولأبي عبيدة عامر بن الجراح (ت18هـ/639م) حمص، وأمرهم أن يسلكوا طريق التبوكية على البلقاء من علياء الشام، ولعمرو بن العاص (ت43هـ/663م) فلسطين، وأمره أن يسلك طريق آيلة عامداً إلى فلسطين. ويورد لنا الواقدي وصية أبي بكر لعمرو بن العاص عندما سلمه الراية، حيث كانت أشبه بخطة حربية مفصلة، وبما يجب على القائد تجاه جنده:
وجَّه أبو بكر عمرو بن العاص نحو فلسطين، وأمره أن يعمد إليها سالكاً طريق أيلة، حيث يسير من الجنوب إلى الشمال، ولعل في هذا ما يدعونا إلى التساؤل عن المغزى في ذلك؟
يرى ميرسون أن سير جيش عمرو بن العاص باتجاه جنوب فلسطين كان بسبب ضعف دفاعات بيزنطة، وإهمالها لتلك المنطقة بعد الغزو الفارسي لبلاد الشام، وهذا خلافاً لما كانت عليه منطقة البلقاء حيث اتخذت بيزنطة فيها بعد الغزو الفارسي سياسة دفاعية لصد المغيرين.
ومع اعتبار هذا الرأي منسجماً مع ما عُرف عن المسلمين من الوعي والتخطيط في حروبهم، واتخاذ الوسيلة إلى النصر، فإنه من المؤكد أن المسلمين في خروجهم إلى الشام ساروا في طريقين، كانت أولاهما عبر البلقاء، والثانية عبر فلسطين.
وإضافة إلى ما ذُكر فقد يكون اختيار المسلمين جنوب فلسطين إنما تم لعرقلة الاتصال البري بين قوات بيزنطة في الشام وقواتها في مصر. وأخيراً فإن جنوب فلسطين يُعد منطقة حيوية تجاور شمال شبه جزيرة العرب فمن الطبيعي أن تتجه الحملة جنوباً أولاً.
خرجت الجيوش الإسلامية تباعاً نظراً للأعداد القليلة أول الأمر، ثم صار الخليفة أبو بكر رضي الله عنه يمدها بالرجال الذين كانوا يغدون على المدينة المنورة من أنحاء الجزيرة.
وبينما كانت طريق الجيوش الأخرى عبر البلقاء شمالاً، سار عمرو بن العاص على طريق أيلة مجتازاً إلى فلسطين، وقد استنصر من مر بهم من القبائل العربية للجهاد، وأعان من لم يكن منهم قادراً على ذلك.
ويظهر أن المسلمين اصطدموا بمقدمة جيش الروم أثناء الطريق عند قرية (داثن) من نواحي غزة، وكان على رأس الروم حاكم مدينة قيسارية ويُدعى (سرجيون) وكان جيش عمرو بن العاص في تسعة آلاف رجل من أهل مكة، وثقيف، وطيء، والطائف، وهوازن، وبني كلاب.
رتب عمرو جنده، حيث جعل في الميمنة الضحاك بن عثمان (ت53هـ/672م) وفي الميسرة خالد بن سعيد بن العاص (ت13هـ/634م) وثبت هو في القلب، ومعه أهل مكة، وأمر الناس أن يقرأوا القرآن، وأخذ يحبّبهم في القتال، ويرغبّهم في ثواب الله وجنته، ثم حملوا على الروم حملة حتى تم لهم النصر، وولى الروم منهزمين، فارتدوا إلى غزة.
يذكر البلاذري أن فتح غزة تم في خلافة أبي بكر الصديق (11-13هـ/632-634م) على يد عمرو بن العاص، والذي يبدو أنه كان في السنة الثالثة عشرة للهجرة لأن بعث الجيوش كان في هذا العام.
وصل إلى عمرو بن العاص، وهو في منطقة قريبة من غزة أنباء أن جيش الروم يتجمع بكثرة في غزة، وأن هذا الجيش مؤلف من عشرة صلبان تحت كل صليب عشرة آلاف فارس، الأمر الذي أدخل الفزع والحيرة في قلبه، وما هي إلا بضعة أيام حتى أتته النجدة، فانضم المنجدون إلى القواد، والصحابة الذين اشتركوا في المعركة، وهم سعيد بن خالد (ت13هـ/634م) وعبد الله بن عمر بن الخطاب (ت73هـ/693م) وعكرمة بن أبي جهل (ت13هـ/634م) ومعاذ بن جبل (ت 18هـ/639م) وغيرهم. وأخذ المسلمون يتقدمون نحو غزة.
سمع الروم بتقدم المسلمين، فراحوا يرسمون الخطط لصدهم، وكان عليهم قائد يدعى (الأرطبون) وقبل أن يصطدم الجيشان أرسل الأرطبون إلى قواد المسلمين كتاباً طلب فيه أن يرسلوا له من ينوب عنهم في التفاوض لتسليم المدينة، فقال عمرو بن العاص: ما لهذا أحد غيري، ويورد لنا الطبري قصة عمرو مع الأرطبون حيث يذكر: (أن عمرو دخل عليه فكلمه فسمع كلاماً لم يسمع قط مثله، فقال الأرطبون لعمرو: حدثني هل في أصحابك أحد مثلك؟ قال: لا تسأل عن هذا! إني هين عليهم، إذ بعثوا بي إليك وعرضوني لما عرضوني له، ولا يدرون ما تصنع بي. فأمر له بجائزة وكسوة، وبعث إلى البواب: إذا مر بك فاضرب عنقه وخذ ما معه فخرج من عنده، فمر برجل من نصارى غسان فعرفه، فقال: يا عمرو قد أحسنت الدخول فأحسن الخروج! ففطن عمرو لما أراده، فرجع إلى الأرطبون، فقال له: ما ردك إلينا؟ قال: نظرت فيما أعطيتني، فلم أجد ذلك يسع بني عمي، فأردت أن آتيك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطية فيكون معروفك عند عشرة خيراً من أن يكون عند واحد، فقال: صدقت، عجل بهم، وبعث إلى البواب: أن خل سبيله، فخرج عمرو وهو يلتفت حتى إذا أمن قال: لا عدت لمثلها أبدا).
وهكذا فشلت المفاوضة ونشب القتال عنيفاً بين الجانبين فكان أول من خرج للقتال سعيد بن خالد (ت13هـ/634م) وقاتل ببطولة حتى اجتمعوا عليه وقتلوه، فقام سبعون من الأبطال في هجمة واحدة بعد مقتله، إلا أن الروم كانوا كالجبال فعاد المسلمون في هجمة ثانية واشتد القتال حتى الزوال، وقد أطلق الواقدي على هذا اليوم من لقاء الجيش اسم (يوم فلسطين) وانتهى القتال بانتصار المسلمين.
وهرب الروم، وتقدم المسلمون إلى غزة مهللين مكبرين وانسحب جيش الروم منها، وانسحب معه النصارى، إلا أن هؤلاء عادوا إليها ودخلوا في الإسلام، ثم مثلوا بين يدي عمرو بن العاص طالبين اقتسام الكنائس مع إخوانهم الذين بقوا على دينهم وحكموه في الأمر فحكم للذين أسلموا منهم، وكانوا أكثر عدداً من الآخرين، بالكنيسة الكبرى فاتخذوها مسجداً، واحتفظ النصارى الذين بقوا على دينهم بالكنيسة الصغرى. وبهذا كانت غزة أول بلد يدخله المسلمون في فتوحهم لفلسطين.
وقعــة أجناديــن
تكاد المصادر تجمع على أن وقعة أجنادين كانت في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة للهجرة. تجمع الروم في أجنادين فكتب عمرو بن العاص إلى الخليفة أبي بكر يعلمه بتجمع الروم بكثرة في أجنادين، وطلب منه المدد، فأدرك أبو بكر خطورة الموقف عند عمرو بن العاص فكتب إلى خالد بن الوليد وهو في الحيرة بالعراق، يأمره أن يمد أهل الشام بمن معه من أهل القوة، خرج خالد متجهاً نحو فلسطين واستخلف على العراق المثنى بن حارثة الشيباني (ت14هـ/635م) وكان خالد كتب إلى عمرو بن العاص كتاباً طلب منه التوجه نحو أجنادين، وكتب خالد كذلك إلى شرحبيل بن حسنة (ت18هـ/639م) في بصرى، ومعاذ بن جبل (ت18هـ/639م) في البلقاء، وطلب منهم جميعاً التوجه إلى أجنادين.
تجمع المسلمون في أجنادين بجيش بلغ ما يقرب من اثنين وثلاثين ألف رجل، ويشير البلاذري إلى أن الروم حشدوا زهاء مئة ألف، بينما يذكر الواقدي أن الروم كانوا تسعين ألفاً والذي يهمنا أن الروم كانوا ثلاثة أضعاف جيش المسلمين. وكان المسلمون بقيادة خالد بن الوليد، بينما كان الروم بقيادة (وردان) حاكم حمص، وكان يعاونه قائد آخر يدعى (القبقلار).
وينقل لنا الواقدي وصية خالد لجيشه قبيل المعركة، حيث قال لهم: (اعلموا أن هؤلاء أضعافكم، فطاولوهم إلى وقت العصر فإنها ساعة يرزق فيها النصر وإياكم أن تولوا الأدبار فيراكم الله منهزمين. ازحفوا على بركة الله) واقترب الجيشان، وبدأ القتال، ويتضح من وصف المعركة بإسهاب ودقة لدى الواقدي أنها كانت لا تخلو من روح المبارزة، وأنه قتل من جيش الروم خلق كثير، ولما جاء العصر تفرق الروم، إلا أن قائدهم (وردان) استطاع جمعهم، وأشار عليهم باستمرار القتال وفضلوا الموت على الهزيمة، ولكن واحداً منهم قال لوردان: اعلم أنك قد بليت بقوم لا تقوم لقتالهم وقد رأيت الواحد منهم يحمل على عسكرنا ولا يبالي من أحد ولا يرجع حتى يقتل منهم، وقد قال لهم نبيهم: إن من قتل منكم صار إلى الجنة. وانتهى النقاش باتفاق البطارقة على مكيدة تمكنهم من قتل خالد بن الوليد، وذلك بأن يطلبوا الصلح في اليوم التالي، وعندما يتقدم خالد ينقض عليه كمين فيفتك به، إلا أن المكيدة كشف أمرها فقد كان رسولهم إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه من متنصرة العرب وهكذا انقلبت المكيدة على مدبرها، وفي اليوم التالي قتل قائدهم (وردان) وحمل خالد على جيش الروم، وكان القتال عنيفاً حتى الغروب، ثم انهزم الروم. وكانت من جموعهم من تتجه نحو طريق غزة ومنها من انهزم إلى دمشق وقيسارية، وكتب الله النصر للمسلمين.
توالي الفتوحات بعد أجناديــن
كانت معركة أجنادين المعركة الكبرى على أرض فلسطين ولكنها لم تكن الأخيرة، حيث سار المسلمون شمالاً حتى وصلوا إلى منطقة بيسان، والتقوا هناك مع الروم في معركة فحل، فهزموهم وتحصن أهل فحل، فحاصرهم أبو عبيدة حتى سألوا الأمان مع أداء الجزية عن رؤوسهم والخراج عن أرضهم، فأمنهم على أنفسهم وأموالهم، وأن لا تهدم حيطانهم وكانت وقعة فحل في السنة الثالثة عشرة للهجرة.
وبعد معركة فحل توجه أبو عبيدة وخالد بن الوليد إلى حمص بينما عاد عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة إلى بيسان، فحاصروها أياماً ثم رغب أهلها في الصلح، فصالحهم المسلمون. وكان فتحها على ما أورد الطبري سنة خمس عشرة للهجرة، وفي هذه الأثناء كان المسلمون يحاصرون طبريا فلما سمع أهلها بالصلح بين المسلمين وأهل بيسان، طلبوا الصلح فصالحهم شرحبيل بن حسنة على (أن يشاطروا المسلمين المنازل في المدائن، وما أحاط بها مما يصلها فيدعون لهم نصفاً ويجتمعون في النصف الآخر، وعلى كل رأس دينار كل سنة، وعن كل جريب أرض جريب بر وشعير).
وبعد فتح طبريا تتحدث الروايات التاريخية عن فتح باقي المدن الفلسطينية، ولعل أهم الروايات في ذلك ما أورده البلاذري حيث ذكر أن عمرو بن العاص فتح سبسطية، ونابلس بأمان على الجزية، وفتح يافا على أن أعطاهم الأمان على أنفسهم، وأموالهم، ومنازلهم، وعلى أن الجزية على رقابهم والخراج على أرضهم، ثم فتح مدينة لد، ثم فتح يبنا، وعمواس، وبيت جبرين. ومع مطلع السنة الخامسة عشرة للهجرة كانت فلسطين في معظمها قد دانت لجيوش الفتح الإسلامي، باستثناء قيسارية، وبيت المقدس.
فتح بيت المقدس
تختلف المصادر التاريخية فيما بينها في بعض تفاصيل فتح بيت المقدس ولكنها تتفق في الأحداث الكبرى للفتح، وفي النتيجة، حيث أصبحت بيت المقدس بأيدي المسلمين كلياً بعد الفتح العمري لها. بعد أن استتب الأمر في سوريا بفتح دمشق سنة (15هـ/636م) كتب أبو عبيدة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يستشيره في التوجه إلى قيسارية أو إلى بيت المقدس، وجمع عمر المسلمين واستشارهم، فقال علي بن أبي طالب (ت40هـ/660م) يا أمير المؤمنين مر صاحبك ينزل بجيوش المسلمين إلى بيت المقدس فإذا فتح الله بيت المقدس، صرف وجهه إلى قيسارية، فإنها تفتح بعد إن شاء الله تعالى.
وينقل لنا الواقدي نص جواب كتاب عمر إلى أبي عبيدة: (بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عامله بالشام أبي عبيدة، أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه، قد ورد عليَّ كتابك وفيه تستشيرني إلى أي ناحية تتوجه، وقد أشار ابن عم رسول الله بالمسير إلى بيت المقدس، فإن الله يفتحها على يديك، والسلام). فلما وصل الكتاب إلى أبي عبيدة، قرأه على المسلمين ففرحوا بالمسير إلى بيت المقدس، وضرب المسلمون حصاراً حول المدينة استمر أربعة أشهر وصبروا على البرد والشتاء فلما ضاق حال أهلها طلبوا الأمان والصلح من أبي عبيدة، ويورد لنا الطبري وابن الأثير وابن كثير ومجير الدين سبب الفتح، أن أهل إيلياء عندما شعروا أن المسلمين مصممون على فتح المدينة، وأن مقاومتهم لن تجدي نفعاً، رأوا أن يتم الصلح حتى تحفظ دماؤهم وأموالهم وكنيستهم. واشترطوا على ما ذكره الواقدي وخليفة بن خياط والبلاذري أن يكون المتولي لإجراء العقد معهم عمر بن الخطاب، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فقدم عمر بيت المقدس، وقام صفرونيوس بتسليم المدينة له وأعطى عمر أهلها عهد الأمان المشهور، وفيه طمأنهم على الحرية التامة في ممارسة شعائرهم وحفظ كنائسهم وأموالهم وأعراضهم. وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وثيقة الأمان لأهل المدينة وهي التي عرفت فيما بعد بالعهدة العمرية.
وأما تاريخ الفتح العمري لبيت المقدس، فالروايات التاريخية متباينة عند المؤرخين، فيذكر البلاذري أن فتحها تم سنة سبع عشرة للهجرة بينما يتفق اليعقوبي وابن عساكر على أن عمر صالح أهل إيلياء على الجزية، وأعطاهم الأماكن وكتب لهم الكتاب سنة ست عشرة للهجرة، وذكر كل من الطبري وابن الأثير وابن كثير الفتح في حوادث سنة خمس عشرة، وأورد مجير الدين روايتين فقال: (كان هذا الفتح في سنة خمس عشرة من الهجرة الشريفة، قاله ابن الجوزي وغيره من المؤرخين، وقيل في سنة ست عشرة). وعلى الرغم من هذا التباين، فإن المرجح في هذا أن يكون الفتح قد تم سنة خمس عشرة للهجرة، وذلك لكثرة المؤرخين المجمعين على هذا التاريخ والله أعلم.
فتح قيساريــة
توقف الجيش الإسلامي أمام قيسارية طويلاً، ولم يستطع المسلمون فتحها إلا بعد سبع سنوات من الحصار بين مد وجزر، وعليه فإن قيسارية كانت آخر المدن الفلسطينية فتحاً. وفي سنة فتحها، والقائد الفاتح اختلاف في الروايات عند المؤرخين.
ويتفق كل من خليفة بن خياط واليعقوبي والطبري وابن كثير وابن خلدون على أن فتح قيسارية تم على يد معاوية ابن أبي سفيان، بينما يرى الواقدي أن فتحها كان على يد عمرو بن العاص.
وقد كانت الاتفاقيات التي كتبت لهذه المدن واحدة، كانت على كتاب مدينة لد وتشبه الكتاب الذي أُعطي لأهل بيت المقدس، والكتب التي أُعطيت لأهل مدن الشام الأخرى حيث تتفق جميعها في إعطاء الأمان لأهل هذه المدن، أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم.
نص العهد الذي أعطاه الإسلام للقدس
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل ايلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صلبهم، ولا من شئ من أموالهم ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود
وعلى أهل ايلياء أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص . فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية ، ومن احب من أهل ايلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم، فانهم آمنون على أنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله، لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية
شهد على ذلك، كتب وحضر سنة 15 هـ، عمر بن الخطاب
خالد بن الوليد - عبد الرحمن بن عوف - معاوية بن أبي سفيان.